السعودية تحت قيادتها تتحول بشكل متسارع، فهل تحولت اهتماماتك وخططك أنت؟

السعودية تحت قيادتها تتحول بشكل متسارع، فهل تحولت اهتماماتك وخططك أنت؟

نزيه العثماني

يعد الابتعاث فرصة لطلب المعرفة والعلم وأحد الروافد المهمة لتوطين المعرفة ونقل الخبرات المفيدة للوطن من أجل المساهمة ببنائه والنهوض به لمواجهة تحديات المستقبل وعمارة الأرض بالخير والصلاح، ولكن الوصول لهذا الهدف يتطلب التزامات كبيرة من المبتعث و المبتعثة للعمل لتحقيق أكبر قدر من المعرفة المفيدة والمتوائمة مع الفرص المتوفرة بأرض الوطن، والتساؤل الذي أتوقع أنه يدور بخلد الكثير من المبتعثين هو ماذا أدرس؟ هل هناك طلب على تخصصي؟ هل سأجد مجالا عندما أعود للمملكة؟

يواجه خريجو الثانوية العامة والجامعات نفس التساؤلات، ماذا يدرسون؟ كيف يطورون أنفسهم؟ هل يكملون للدراسات العليا أم يكفي ما درسوه؟ ما هي الدورات التي ينبغي عليهم التركيز فيها والبحث عنها؟ هل هناك مستقبل لدراستهم؟ هل هناك طلب عليهم؟ هل سيستطيعون إرضاء طموحهم لإحداث فرق بالمجتمع والنجاح والتميز بعملهم؟

الإجابة على هذه التساؤلات في علم الغيب والتوفيق بيد الله عز وجل وكل ما نستطيع عمله هو الأخذ بالأسباب مع إخلاص النوايا في العمل من أجل عمارة الأرض بالخير والعدل والصلاح، وسأحاول هنا أن أطرح بعض المقترحات للأسباب التي يمكن للمبتعث والمبتعثة أو طالب الثانوية العامة أو السنة التحضيرية أو الذين اقترب موعد تخرجهم من الجامعة العمل عليها استعدادا للمستقبل وتهيئة التفس لأن تكون جاهزة للمساهمة الفعالة والإيجابية في بناء الوطن وتطويره.

البداية بنظري هي في فهم بأن الشهادة التي نحصل عليها هي وسيلة وليست غاية، فالفكرة ليست الحصول على البكالوريوس أو الماجستير أو الدكتوراة وإنما الفكرة التي ينبغي التركيز عليها هي استخدام هذه الشهادات للوصول لغاية أكبر وهي عمارة الأرض والمساهمة ببناء الوطن في مجالات يحددها الطالب من الآن وطرح الحلول لمواجهة تحديات المستقبل من حيث البيئة والتعليم والصحة والغذاء والتقنية والخدمات والطاقة وغيرها من التحديات التي تواجه مجتمعات العالم بشكل عام ووطننا بشكل خاص، لنتذكر دائما بأن الشهادة هي بداية الطريق وليست نهايته.

أنصح الطلاب وحتى الخريجين بأن يبذلوا جهدهم في استيعاب رؤية 2030 وبرنامج التحول الوطني 2020 وتوجهاته المختلفة لأنها برامج طموحة جدا ويخطئ من ينظر إليها على أنها مجرد وثيائق مكتوبة ولا تتضمن خططا حقيقية فالعكس هو الصحيح، الرؤية و برنامج التحول الوطني برامج حقيقية لوطن طموح ومجتمع حيوي يسعى لاقتصاد مزدهر وهناك التزامات من كل الوزارات للعمل من أجل تحقيق أهدافها (1) وهناك أيضا متابعة دؤوبة ومستمرة من سمو ولي العهد شخصياً لكل الالتزامات التي قدمتها الوزارات مما يدل على جدية ما جاء بها.

الواقع هو أن المملكة تمر حاليا في ظل قيادتها الشابة والطموحة بتحولات متسارعة وكبيرة بشتى المجالات وبكل الاتجاهات واعتقد أنه من الضروري دراسة برنامج التحول الوطني ورؤية 2030 بشكل مفصل لأنه يبين مسار الدولة واتجاهها بالمستقبل ويوضح المشاريع التي ستركز عليها الدولة، ويمكن للطالب والخريج بعد فهم هذه التوجهات اختيار المسارات الملائمة لإمكاناته وطموحاته من جهة والتي ستخدم أكبر قدر ممكن من مجالات رؤية 2030، لننظر مثلا لبعض أهداف الرؤية المطروحة (2):

  • خدمة 30 مليون معتمر سنويا

  • ارتفاع إنفاق الأسر على الثقافة والترفيه داخل المملكة إلى 6%

  • رفع متوسط العمر المتوقع من 74 إلى 80 عاما

  • تخفيض معدل البطالة من 11.6% إلى 7%

  • رفع مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي إلى 65%

  • رفع قيمة أصول صندوق الاستثمارات العامة إلى 7 ترليون ريال

  • رفع نسبة الصادرات الغير نفطية إلى 50% من إجمالي الناتج المحلي الغير نفطي

  • الوصول لمراكز 5 الأولى في مؤشر الحكومات الإلكترونية

  • الوصول إلى مليون متطوع في القطاع الغير ربحي سنويا

الأهداف المذكورة أعلاه أهداف عامة يوجد تحت كل منها أهداف أكثر خصوصية وعلى كل الوزارات والهيئات والقطاع الخاص والمستثمرين موائمة خططهم المستقبلية لتحقيق هذه الأهداف ومن يقرأ خطة رؤية 2030 سيجد أن هناك برامج ومشاريع تحت كل هدف من هذه الأهداف فخدمة 30 مليون معتمر سنوياً تشمل توفير خدمات السفر والإعاشة والمواصلات والتسوق والصحة والاتصالات والانترنت والسياحة غيرها. رفع نسبة الصادرات الغير نفطية يشمل صناعات الغذاء والدواء والأجهزة الإلكترونية والاتصالات والإكسسوارات والأثاث المنزلي، ورفع متوسط العمر إلى 80 عاما يتطلب تطويرا هائلا في الخدمات الصحية والنظر في آليات مبتكرة للتأمين الطبي، وتوفير الخدمات الطبية، وتتبع الأمراض وعلاجها ومتابعة سلاسل التوريد، وتطبيقات التقنية في الطب، ورفع أصول صندوق الاستثمارات يتطلب مهارات مالية ومحاسبة واستثمار وحوكمة واقتصاد وتقنيات وتوطين للمعارف

فهم رؤية 2030 وبرنامج التحول 2020 بشكل جيد سيوضح التخصصات التي يحتاجها الوطن في السنوات القادمة وسيوضح أيضا المجالات التي ينبغي التركيز عليها والاستثمار بأنفسنا لبناء المهارات اللازمة للمساهمة بمجالات الرؤية، ومن الضروري في نظري لكل طالب وأي شخص يريد تحديد مستقبله بدراستها لفهمها واستيعاب المجالات الواجب توافرها لتحقيق برامج تلك الرؤية، فالجدية في تطبيق هذه الرؤية واضحة ويكفي تتبع الاتفاقيات التي وقعها سمو ولي العهد في زياراته السابقة لأمريكا وأوروبا ومجالاتها المختلفة والمتنوعة فهناك المتاحف ومدن الترفيه الكبيرة وهناك أيضا شركات تقنية المعلومات والخدمات الذكية ومراكز البحث وريادة الأعمال والمصانع الكبيرة بهدف توطين الصناعات الغير نفطية وكلها جهات ستخدم عناصر مختلفة من الرؤية وواضح أن هناك تنسيق على مستوى عال لخدمة البرامج المعلنة بالرؤية، ولا يفوتني أيضا التطرق لمشاريع القدية ومدينة نيوم والبحر الأحمر فكلها مشاريع تتمركز باتجاهات معينة وستتطلب كوادر فنية ومهنية للعمل بها ومن الضروري أن يهيئ كل من هو ببداية الطريق نفسه للتخصصات والمجالات التي تتطلبها إدارة وتشغيل هذه المشاريع.

الجانب الآخر الذي انصح بالتركيز عليه هو استغلال فرصة التفرغ للدراسة في تنمية المهارات الذاتية والشخصية والتي تنقسم بحسب وجهة نظري الشخصية لحمس مجالات رئيسية:

  1. مهارات التواصل وتشمل التخاطب وإلقاء وإعداد العروض والعمل في فريق واستخدام التقنية وترتيب الافكار

  2. مهارات القيادة وتشمل التخطيط وترتيب الأولويات وتنظيم الوقت وتنمية روح المبادرة وإدارة المشاريع

  3.  التحليل وتشمل التفكير الناقد والبحث العلمي والشغف في طلب العلم وحل المشكلات واتخاذ القرار استنادا للبراهين

  4. مهارات عليا مثل الامتحانات المهنية التخصصية وبرامج السيجما الستة والجودة وتطبيقات التقنية بتخصصك والحرفية والمهنية

  5. مهارات مالية مثل اعداد الميزانيات ومتابعة سلاسل التوريد والتخطيط المالي للمشاريع وتوزيع الموارد البشرية والمالية 

المهارات التي ذكرتها أعلاه مطلوبة من كل شخص بغض النظر عن تخصصه وكلما زادت خبرته بهذه المهارات تميز بشكل أكبر عن قرنائه الآخرين، ولايكفي في نظري التركيز على المعرفة في التخصص بل أرى ضرورة أن يبني كل شخص نفسه في كافة المجالات والمهارات الممكن تحصيلها حتى بعد التخرج. قد تبدو قائمة المهارات كبيرة وصعبة التحقيق لكني لا أتوقع أن يتم تحصيل كل هذه المهارات دفعة واحدة فطلب المعرفة والعلم عملية مستمرة لا تتوقف أبدا وبالرغم من حصولي على الدكتوراة قبل عشرة سنوات إلا أني ما زلت أجد الحاجة لتطوير نفسي في كافة هذه المجالات على قدر الاستطاعة ولو علمت بأهمية هذه المهارات أثناء بعثتي لحرصت على تحصيل أكبر قدر ممكن من هذه المهارات وقتها.

ختاما اتمنى أن تساهم هذه الأفكار في أن يعيد القارئ أولوياته ويسعى لتطوير نفسه ومهاراته ليكون عضوا فعالا في طريق بناء الوطن ورؤية قيادته الرشيدة لمستقبله.

المراجع:

  1. وثيقة برنامج التحول الوطني 2020 وبرامج الوزارات http://vision2030.gov.sa/sites/default/files/NTP_ar.pdf
  2. الأهداف الاستراتيجية وبرامج تحقيق الرؤية http://www.vision2030.gov.sa/download/file/fid/1215

 

About نزيه العثماني 104 Articles
دكتوراة هندسة كهربائية طبية وأسعى للتميز في البحوث التطبيقية وبراءات الاختراع وتوطين التقنية بمجالي ومهتم بدعم الإبداع والموهبة وأساليب التعليم الفعالة وبناء قيادات المستقبل

2 Comments

  1. طيب دكتور واللي يدرسون هندسة طبية في السعودية، كيف ممكن نقدر نلاقي هذي الدورات سواء اللي تساعد تخصصنا أو اللي عن المجالات الأخرى؟ أنا بسنة ثانية، هل تنصح من هذا الوقت نبتدي نشتغل على الدورات و التدريبات؟ إذا نعم، أفدنا دكتور!🌹

    • ابحث عن الدورات بكل اتجاه، حاول تحصل على تدريب صيفي بمستشفيات أو شركات، انضم للجمعية العلمية السعودية للهندسة الطبية وتابع أنشطتها وفعالياتها فهناك دورات كثيرة تقدمها، تابع Engineering in Medicine and Biology Society فعندهم دورات اونلاين كثيرة ومؤتمرات بالتخصص أيضا، الانترنت فضاء واسع به افلام وفيديوهات كثيرة تتحدث عن تقنيات مختلفة
      اقرأ من مصادر موثوقة بهذا المجال فالمعرفة أصبحت موجودة بأكثر من مكان

Leave a Reply

Your email address will not be published.


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.