لاحظت عددا من التغييرات بعد العودة من الولايات المتحدة ومنها مثلا مؤسسات المجتمع المدني التي بدأت في الظهور بشكل واضح في مجالات متخصصة خارج اطار العمل الخيري. وقد حضرت اجتماعين لمثل هذه المؤسسات أولهما كان لجمعية حماية المستهلك والثاني كان اجتماعا للجمعية العمومية لهيئة المهندسين السعوديين وكلاهما جمعيتان تم انشائهما بناء على مراسيم ملكية صدرت قبل حوالي سنتين لجمعية حماية المستهلك وقبل سبعة سنوات للهيئة السعودية للمهندسين وهذا مؤشر لأن عمل مثل هذه المؤسسات ما زال جديدا لدينا في المملكة.
تنتشر نظرة الاتكالية على المؤسسات الحكومية لدينا في المجتمع بشكل كبير، فكثيرا ما اسمع مقولة (المفروض الحكومة تفعل)، (هذه مسؤولية الحكومة)، (المفروض الحكومة توفر) وغير ذلك من الأقوال الشبيهه التي تحمل في طياتها اتكالية ضخمة ونقل كامل للمسؤولية الشخصية لاطراف اخرى من اجل تبرير التقصير الشخصي واخراج النفس من مسؤولية العمل من اجل مواجهة مشكلاتها، صحيح أن الحكومات بشكل عام تتحمل مسؤولية ادارة شؤون المجتمع وخدماته لكن هناك حد لما تستطيع القيام به وحدها بدون المجتمع وهنا يأتي دور مؤسسات المجتمع المدني لتلعب دورا يكمل دور الحكومة في النهوض بالمجتمع في شتى المجالات والجميل في الموضوع هو أن هناك ارادة سياسية في السعودية لتفعيل دور مثل هذه المؤسسات ولذا صدرت مراسيم ملكية عديدة لإنشاء سلسلة من هذه المؤسسات كان منها جمعية حماية المستهلك والهيئة السعودية للمهندسين والهيئة السعودية للتخصصات الصحية وغيرها.
القضية الرئيسية في مثل هذه الجمعيات هي الدعم المالي للجمعية. فينبغي أن يكون الدعم المالي مستقلا عن ميزانية الحكومة تماما ومعتمدا على اشتراكات الاعضاء وخدمات الجمعية لأن حصولها على دعم حكومي سيخرجها من اطار المجتمع المدني ويدخلها تحت اطار احدى الوزارات. كما أن هذا الاستقلال يخرج هذه الجمعيات من بيروقراطية الدوائر الحكومية ويجعل قرارات الجمعية بيد اعضائها ومجلس ادارتها المنتخب بصورة دورية من قبل الاعضاء.
بالنسبة للهيئة السعودية للمهندسين فيمكن التعرف على اهدافها وما تصبو اليه من خلال الرابط
http://www.saudieng.org/sites/searabic/Pages/default_01.aspx
أما جمعية حماية المستهلك فيمكن الوصول لصفحتها من خلال الرابط
http://www.cpa.org.sa/
تحمل كلا الجمعيتان اهدافا عديدة وتأتي مسؤولية العمل لتحقيق تلك الاهداف على عاتق اعضاء الجمعية الذين من المفترض أن يقوموا باختيار مجلس ادارة من بينهم يقوم بمتابعة هذه المسؤوليات والتأكد من أن دخل تلك الجمعيات يصرف فيما يخدم اهدافها بشكل رئيسي. وفيما يلي عدد من بعض الملاحظات التي شاهدتها في الاجتماعين:
جمعية حماية المستهلك
- جمعية بدأت منذ سنتين فقط وكان الاجتماع بمناسبة يوم المستهلك الخليجي ويهدف للتعريف بجمعية حماية المستهلك وحضر الاجتماع عدد لا بأس به من الناس، ولفت نظري عدد من المنشورات المتعلقة بالاستهلاك بشكل عام وكانت منشورات مطبوعة بشكل فاخر ولكنها مكتوبة بلهجة اكاديمية علمية اعتقد أنه من الصعب لها أن تصل للمستهلك العامي
- اتضح لي في الاجتماع أنه لا توجد قوانين واضحة لحماية المستهلك وما زال الأمر في بدايته، فما زالت حقوق المستهلك وواجباته مجهوله تحتاج لعمل كبير من قبل الجمعية لتحرير هذه القوانين ثم العمل من خلال مجلس الشورى ومجلس الوزراء من اجل اعتماده وهذه مسؤولية المستهلك في الدرجة الاولى.
- هناك حاجة للتفرقة في المجتمع بين المستهلك وبين الشركات فحماية المستهلك ينبغي أن تكون في صف المستهلك وليس في صف التاجر وصاحب السلعة واعجبني حقيقة أن هناك حرص على التأكد من عدم امتلاك عضو مجلس ادارة الجمعية سجلا تجاريا لكي لا يحصل تعارض للمصالح.
- لا تملك الجمعية حاليا صلاحيات تنفيذيه تستطيع من خلالها أن تتعامل مع المستهلك المتضرر واعتقد أن غياب هذه الصلاحيات مسألة طبيعية لغياب قانون حماية المستهلك من الأساس ويقتصر دور الجمعية حاليا على توعية المستهلك.
الهيئة السعودية للمهندسين
- كان الاجتماع خاصا بالجمعية العمومية من اجل عرض تقرير الانشطة السنوي وعرض التقرير المالي السنوي على الجمعية العمومية. بمعنى أن مجلس الادارة يرغب في اطلاع الاعضاء على ما قام به ويرغب في الحصول على موافقتهم على خطة العمل والتقرير المالي ولائحة الانظمة الجديدة للجمعية وقد قام مجلس الادارة بنشر ما سيتم مناقشته خلال الاجتماع على موقع الجمعية قبل الاجتماع باكثر من شهر.
- اعجبني في طريقة عرض التقرير المالي أن مكتبا ماليا مستقلا عن الهيئة هو الذي قام بمراقبة الحسابات المالية للجمعية وقام بعرضها كجهة مستقلة وقد تسائل احد الحضور عما ان كان هناك علاقة بين المكتب المالي وبين احد اعضاء مجلس الادارة وكانت الاجابة بالنفي
- من الامور التي تعمل عليها الهيئة هي مسألة كادر المهندسين بمعنى أن يكون هناك سلم رواتب خاص بالمهندسين العاملين في القطاعين الخاص والعام ويرتبط هذا السلم بالاعتماد المهني الذي تقوم به الهيئة للمهندسين. وحسب ما فهمت من التقرير السنوي، فقد تم تحضير الكادر وعرضه على عدد من الوزارات واشار وزير الخدمة المدنية لأنه يدعم الكادر وأنه حاليا لدى وزارة الخدمة المدنية من اجل الاطلاع والاعتماد إن شاء الله.
- تقوم الهيئة بالتأكد من صحة شهادات الاعضاء ومن ثم تقوم بتقييم خبراتهم وشهاداتهم ومنحهم احدى الدرجات العلمية (مهندس، مهندس محترف، مهندس مشارك، مهندس مستشار) وتم ربط هذه الاعتمادات بسلم رواتب المهندسين في الكادر الهندسي المقترح ومن المفترض على غرار الهيئة السعودية للتخصصات الصحية أن لا يتم السماح لأي شخص لمزاولة مهنة الهندسة إلا بعد تصريح الهيئة السعودية للمهندسين ولكن ما زال هذا الأمر في قيد المناقشة من قبل الجهات الوزارات المختلفة وهنا تكمن صعوبة الامر فهناك عدة وزارات معنية بالمهندسين فمنها وزارةالعمل، وزارة الشؤون البلدية والقروية، والخدمة المدنية والتجارة والصناعة وغيرها من الوزارات.
- قامت الجمعية بالموافقه على التقرير السنوي وعلى التقرير المالي لكن الجمعية لم تقبل بنظام العمل للهيئة المقترح لعدم وضوح عدد من بنوده وفقراته.
- توجد لجنة استشارية تابعة لمجلس الادارة ولا ادري طبيعة العلاقة بين هذه اللجنة وبين مجلس الادارة واتمنى أن لا تكون اللجنة طريقة لتهدئة الجمعية العمومية من قبل مجلس الادارة وقد اتضح وجود نوع من الحساسية بين اللجنتين من خلال النقاش التي دار بينهما خلال اجتماع الجمعية لكن بدا لي أن هناك قابلية جيدة للطرفين للعمل سويا لخدمة اهداف الهيئة بمعنى أن النقاش لم يكن تصادميا.
ختاما هناك نقطتان مشتركتان بين الجمعيتين
- وجود مرتبات وحوافز مالية لبعض اعضاء مجلس الادارة سواء في جمعية حماية المستهلك أو في هيئة المهندسين وهذه مسألة غاية في الحساسية طبعا وتتطلب مستوى عالي من الشفافية المالية أمام الجمعية العمومية كما تشكل مشكلة اخرى وهي طرح تساؤلات عما اذا كان سبب ترشيح العضو لنفسه في مجلس الادارة متعلق بالحوافز المالية فقط أم أنه صادق فعلا في رغبته لخدمة الجمعية واهدافها.
- لاحظت الوجود النسوي في كلتا الجمعيتين وهي مسألة ايجابية في نظري وتشير لوعي جيد لضرورة الاستفادة من امكانات وقدرات نصف المجتمع واتوقع أن تزيد مثل هذه المشاركات خاصة عندما يلمس الناس فوائد وايجابيات هذا الأمر.
بشكل عام شعرت بالسعادة بعد حضور هذين الاجتماعين لأني شعرت أن هناك مجال مفتوح لمن يرغب في العمل والانتاج، لا اعتقد طبعا بأن هاتين الجمعيتين قد وصلتا للحد المطلوب اداؤه فهذه مسألة تتطلب سنوات طويلة من العمل المستمر الملئ بالتحديات والصعوبات ولكن المثل يقول أن مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة.
ماشاء الله مقال رائع وتجربة جميلة .. وبصراحة أول فرصة تحصل لي لرؤية الجمعيات المدنية عن قرب بواسطة أحد احتك مع هذه الجمعيات بنفسه وينقل التجربة بهذا الشكل الجميل .. لك كل الشكر والتقدير.
ولي إضافات بسيطة ومتواضعة من طرفي لكلا الجمعيتين، ولو حصل أن استطعتم توصيل هذه الاقتراحات بشكل أو بآخر للمسئولين فيها فسيكون لكم ولي الدور في توصيل رسالة لوضع الأمور في نصابها منذ البدء.
جمعية حماية المستهلك:
– بما أن الجمعية في أول المشوار، حسب ما فهمت من كلامكم يا دكتور، فأنا أقترح إنه الجمعية لازم تسوي لها خطة إستراتيجية عشان يوضح لها مسار العمل (أفمن يمشي مكباً على وجهه أهدى، أم من يمشي سوياً على صراط مستقيم) الآية – وهي دلالة واضحة جدا على أهمية الخطة الإستراتيجية لأي منشأة، إلى جانب الأفراد أنفسهم أيضاً.
جمعية المهندسين:
– بالنسبة لتصنيف مهندسي الحاسب الآلي بمختلف مجالاته ضمن قائمة أو كادر المهندسين فإني أرجو أن يتم دراسة وضعهم بتفرّد حيث أن خريجي علوم الحاسب أيضا من المفترض أن يسمح لهم بالإنضمام ضمن هذا الكادر، بحكم دراستهم لمنهج متكامل في البرمجة يصب في صميم العمل والفكر الهندسي (هندسة البرمجيات)، وكذلك وضع تقييم خاص للشهادات العالمية الخاصة بشركات تقنية المعلومات وتصنيف الحاصلين على مجموعة معينة منها ضمن الكادر الهندسي – طبعاً بعد دراستها بتمعّن وفحصها فحصا دقيقاً.
* ولو حصل بأن أي فكرة من الأفكار المطروحة تحتاج إلى من يعمل عليها – بعد الحصول على الموافقة المبدئية من قبل الجمعيات الخاصة بها – فإني مستعد بأن أقوم ببعض المجهود في ذلك، والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.
بالتوفيق للجميع ..
شكرا على تعليقك ياسلمان
بالنسبة لجمعية حماية المستهلك فاتصور أن فكرة العمل على استراتيجية هي فكرة مهمة واعتقد أنهم تطرقوا للحديث عن هذا الموضوع خلال الاجتماع لكن يبدو لي أنها قضية تاخذ وقتا اطول من المطلوب. كما أن موقع الجمعية على النت يفتقد للكثير من المعلومات التي تتعلق بحماية المستهلك ويبدو لي أنهم ما زالو في مرحلة البناء. هناك استمارة لطلب التطوع في جمعية حماية المستهلك على الموقع واقترح أن تتواصل معهم في الموضوع، كما أن الجمعية بصدد فتح مكتب جديد في جدة وعسى أن نتمكن من عمل شيئ في هذا المجال
أما عن هيئة المهندسين فالهيئة اكثر تنظيما من الجمعية من ناحية وضوح الاهداف والخطط الاستراتيجية بل وحتى من ناحية الكم الكبير من المحاضرات والندوات والمؤتمرات التي تقيمها الهيئة لتطوير المهندسين ومهنة الهندسة بشكل عام. وللعلم فعدد اعضاء الهيئة يصل لحوالي 20000 عضو وهو رقم كبير جدا مقارنة بجمعية حماية المستهلك. أما بالنسبة لادراج علوم الحاسب الآلي ضمن الهيئة فهي مسألة لا اعرف امكانيتها من عدمها فقد تكون موجودة اصلا واقترح عليك أن تتواصل مع مكتب الهيئة السعودية للمهندسين في جدة للتساؤل حول هذا الموضوع.