تتحدث العديد من كتب الجودة النوعية والقيادة والابتكارات بأن الافكار الجديدة عادة ما تلاقي مقاومة وصعوبة في التطبيق مما يوجب على صاحب الفكرة بذل مجهود اكبر في محاولة اقناع الآخرين بجدوى فكرته وقد يواجه صاحب الفكرة صعوبات وتحديات في هذا الاطار ولكن عليه الصبر والمثابرة في هذا الاتجاه.
صعوبة الحديث عن الجديد توجب على المجتمعات توفير الحماية لاصحاب الافكار الجديدة لتشجيعهم على الخروج من صندوق العمل النمطي وغياب هذه الحماية تقتل الابداع وتقتل اصحاب الافكار الجديدة لأنهم يخافون من الخروج بها ومشاركة الناس بها وتكون نتيجة هذا الخوف الاستمرار في العمل بطرق نمطية قديمة والخسارة على المدى الطويل. ولهذا اعتقد أن توفر الحرية الفكرية وحرية التعبير من اساسيات الابداع والابتكار لأن الابداع والابتكار يتطلب المجئ بأفكار جديدة قد تتصادم وتختلف مع طرق العمل وطرق التفكير السائدة ولو لم يكن هناك ما يحمي بل ويشجع الخروج عن النمط السائد فلن تخرج الافكار الابداعية ولن تتولد بيئة تشجع المخترعين والمبدعين على الخروج بافكارهم والمساهمة في حل مشكلات المجتمع.
من القرارت المفاجئة التي حصلت خلال الاسبوع الماضي قرار معالي وزير الإعلام بفسح مؤلفات معالي وزير العمل الدكتور غازي القصيبي والسماح لها بدخول السعودية وهو قرار متأخر لحد كبير في نظري ولكنه جاء ولله الحمد واتمنى أن يكون هذا القرار بداية لسلسلة من القرارات الاخرى المتعلقة بفسح المجال للكثير من الكتب والمؤلفات التي لا يعرف احد لماذا منعت ولماذا اوقفت. وقد اعجبتني صراحة وزير الاعلام في تعليقه على ما قاله الكاتب عبده خال الذي طالب بفسح المجال لبقية المؤلفين فقد ذكر وزير الاعلام بأن منع المؤلفات كان ارتجاليا كما اشار وزير الاعلام لمعلومة جديدة جدا وهي أن مكاتب الجمارك في المطار لا تملك الحق في مصادرة الكتب التي يحضرها اصحابها للاستعمال الشخصي وسأجرب إن كان الموظفون يطبقون هذا الأمر فعلا خلال سفرتي القادمة التي سأحمل فيها عددا لا بأس به من الكتب وقد حدد ايضا وزير الاعلام ضوابط منع الكتب في السعودية في خطوة مهمة لكي يعرف الناس النظام وبالرغم من تحفظاتي الشخصية على ضوابط منع الكتب كونها مطاطية وغير واضحة إلا أن نشر الضوابط يبين للناس مالهم وما عليهم وعسى أن يكون هناك نقاش وحوار حول هذه الضوابط وأن يكون هذا القرار بداية للمزيد من الحريات في التعبير في بلادنا الحبيبة.
في نفس الاسبوع الذي تم فيه الفسح لكتب الدكتور القصيبي وبينما استبشر البعض بهذا القرار وتمنى أن يكون بداية لسلسلة من القرارت التي ترفع من سقف الحريات في بلادنا الحبيية خرج قرار هيئة الاتصالات السعودية بحجب المسنجر للبلاك بيري وكانت الحجة التي تحدث عنها عدد من الكتاب هي دواعي أمنية لأن شفرة البلاك بيري لا يعرفها احد. ولم أفهم لماذا سبب البلاك بيري خطرا أمنيا في بلادنا فقط؟ فأمريكا وأوروبا هي من اكثر دول العالم هوسا بالإرهاب والهواجس الأمنية وقد اتخذت تلك الدول قرارات وسياسات هوجاء تتعارض مع مبادئها في الديمقراطية والحرية في سبيل المحافظة على امنها وكان من تلك القرارات الغريبة استخدام اجهزة الاشعة التي تبرز اجسام المسافرين بالمطارات ومنها قانون الادلة السرية في امريكا الذي يتعارض مع اساسيات الدستور الامريكي وما تزال الهواجس الأمنية لديهم من الإرهاب والخوف منه تتزايد يوما بعد يوم وبالرغم من هذا لم يقم أحد منهم بإلغاء المسنجر للبلاك بيري! لماذا؟ هل لأنهم يعلمون بأنه لا فائدة من هذا المنع؟
حجة الشيفرة هذه حجة ضعيفة للغاية فهب أن المسنجر منع، ألا يستطيع الإرهابيين التواصل باستخدام الهوت مايل أو حتى المنتديات المفتوحة باستخدام شيفرة اخرى خاصة بهم لا يستطيع احد أن يفكها؟ من السهل على أي شخصين الاتفاق على شيفرة معينة والتواصل فيما بينهما باستخدامها ولن يستطيع أي احد غيرهما فهم هذه الشيفرة ولا فكها ولذا فلو كانت الدواعي لهذا المنع أمنية فعلا فهذا يعني أن قرار المنع هذا قرار ارتجالي اضر بآلاف الأبرياء المستفيدين من هذه التقنية والذين لايستخدمونها للاضرار بأحد كما أن الحجج الأمنية هذه حجج لا تتحقق من المنع حيث يمكن للإرهابيين ايجاد شيفرة جديدة يتواصلون بها من خلال القنوات الاخرى ولن يتسطيع احد فتحها، فهل ياترى سنمنع كل وسائل الاتصال في المجتمع خوفا من هذا الارهاب المزعوم؟ وألا تساهم هذه الارتجالية في قتل الابداع وحرية التفكير وهي المسألة التي تضر بالمجتمع كله؟
القضية هنا ليست كتب الدكتور القصيبي وليست المسنجر في البلاك بيري، القضية هنا هي قضية غياب الشفافية والانظمة التي توضح اسباب هذه القرارات، القضية هي اتخاذ مثل هذه القرارات بدون مشاركة الناس باسبابها ولا محاولة تهيئة المجتمع لها، فلو كانت هناك دراسات معينة ادت نتائجها لمثل هذه القرارت، فلم لا يتم اشراك الناس بهذه الدراسات؟ لم لا يتم اشراك الناس في هذه القرارات ما دمنا في عصر الحوار؟ وإن لم تكن هناك دراسات، فإلى متى تستمر الارتجالية والمزاجية في مثل هذه الأمور الحيوية؟
اعتقد أن التطبيق العملي يشير لوجوب اعادة النظر في سياسة مقص الرقيب هذه خاصة في ظل غياب الانظمة والشفافية التي تتعلق بهذا المقص، كما أن التجربة تفيد بأن المقص لا يفيد اصلا وأن المجهود والميزانيات التي تصرف على هذا المقص غير مجديه فكتب الدكتور غازي القصيبي منتشرة في كل انحاء السعودية بالرغم من أنها ممنوعة كما أن الإرهابيون قادرون على التواصل فيما بينهم من خلال شفرات جديدة حتى لو تم منع البلاك بيري، فلماذا لا نصرف جهودنا في مجالات اكثر فائدة واكثر عملية بدلا من الاستمرار في دورة التناقضات والمفارقات التي نجدها في مجتمعنا باستمرار؟
أخي نزيه،
تبدو لي فكرة المنع لدواعي أمنية مقبولة و لكن كما ذكرت نحتاج لتوضيح أكثر للدراسة التي نتج عنها هذا القرار.
صحيح أن الإرهابيين كما ذكرت يستطيعون تشفير رسائلهم بشفرة خاصة بهم لا يعرفها غيرهم لكن على الأقل يستطيع المراقبون معرفة أن هؤلاء الأشخاص مثيرون للشك وبإمكانهم متابعتهم أكثر أو حتى اعتقالهم للتحقيق لكن كيف سيكون الحال اذ أصبح الشعب كله مشفر. بالنسبة لأمريكا فإن سفير الإمارات هناك ذكر أن شركة RIM أعطت أمريكا وكندا وبريطانيا امكانية مراقبة اتصالات البلاك بيري ولكن الشركة رفضته لبقية الدول وهذا كما قال كان سبب ايقاف الخدمة في الإمارات.