اهتمامات اليوم تحدد مكانك بعد عشر سنوات
نزيه العثماني
تخيل نفسك وأنت تمر يوميا بجوار قطعة ارض كبيرة شاغرة مليئة بالرمال وفي يوم من الأيام تلاحظ أن مجموعة من العمال بدأت بالحفر فيها شيئا فشيئا وتلاحظ تطور العمل في الأرض يوما بعد يوم حيث بدأ العمال بوضع حجار الطوب بجوار بعضها البعض. إنه منظر مزعج وقبيح فالمعدات في كل مكان والأتربة في كل مكان ويبدو الوضع عشوائيا مزعجا ولكنك تعودت على المنظر لدرجة أنك لا تلاحظ التطور التدريجي في البناء ولا تلاحظ أن المبنى بدأ في الارتفاع شيئا فشيئا لأنك تمر يوميا بجواره فتتعود عيناك على المنظر وتغفل التركيز على التغييرات ما بين الأمس واليوم واخيرا وبعد عدة سنوات من العمل انتهى المبنى وصار مَعْلَما كبيرا قد يكون للبعض هو برج خليفة وللبعض توسعة الحرمين أو جامعة الملك عبدالله، ولآخرين النفق تحت البحر بين بريطانيا وفرنسا. لنحاول في يتبقى من المقال أن نقتبس بعض الدروس والعبر من هذا المنظر الذي مر به كثير منا في حياته اليومية.
المشاريع الكبيرة تبدأ بفكرة وإرادة
لنفترض أن هذا المشروع هو برج خليفة أو حتى جامعة الملك عبدالله ولنفكر كيف بدأ المشروع؟
قبل عدة سنوات من الآن بدأ الموضوع بفكرة في عقل شخص جاد بادر بشكل إيجابي لتحويل فكرته لواقع وما اكثر الذي يحملون افكارا رائعة لكنهم لا يبادرون لتنفيذها ويحبطون الأفكار من بدايتها أو هؤلاء الذين تبقى أفكارهم أحلاما ولايبذلون الجهد لتطبيقها. خذ العبرة وفكر من الآن أين تريد أن تكون بعد 10 سنوات من الآن وبشكل واضح ومحدد فلا تقل مثلا أنك ترغب أن تكون رشيقا لأن كلمة رشيق تحمل عدة معاني تختلف باختلاف الاشخاص ولذا من الأولى أن يقول شخص وزنه 400 كلغم بأنه يرغب بعد عشر سنوات أن يخسر 250 كلغم .
ادرس وضعك وضع خطة توصلك لرؤيتك المستقبلية
فكرة البرج وجامعة الملك عبدالله تحولت لخرائط هندسية وتصاريح قانونية وتمويلات مالية ساهمت كلها وبالتدريج في تحويل الفكرة لحقيقة من خلال خطة عمل واضحة وضعت قبل عدة سنوات نتج عن الإلتزام الدؤوب بتلك الخطة برج ضخم يعتبر معلما عالميا. بنفس الطريقة لا تكتفي بالتفكير أين تريد ان تكون وبادر بالجلوس مع نفسك وادرس وضعك من حيث نقاط الضعف والقوة والفرص والتحديات المتوفرة ثم اكتب خطوات محددة سيؤدي التزامك بها وبشكل متواصل للوصول لرؤيتك بعد عشرة سنوات بمشئية الله.
كن فعالا في كتابة الخطة
لابد أن تكون الخطة محددة وقابلة للتحقيق ويمكن قياسها وواقعية ومرتبطة بزمن محدد فلا يصلح مثلا أن تقول أود أن اقرأ كثيرا والأفضل أن تقول أنك ترغب في أن تقرأ كتابين في تنظيم الوقت كل شهر. فقراءة كتابين مسألة محددة بموضوع تنظيم الوقت فالمسألة ليست مفتوحة بل موضوع القراءة واضح ومحدد بطريقة واقعية وقابلة للتحقيق ومرتبطة بزمن محدد يمكن في نهايته قياس مقدار ما تحقق من قراءة الكتابين.
قم بتجزئة المشاريع الكبيرة
أحد الوسائل الفعالة للتعامل مع المشاريع الصعبة هو تجزئتها لمشاريع اصغر فلابد لطالب الثانوية الذي يرغب في الدكتوراة في تخصص معين لابد له من تجزئة رؤيته لتكون على مراحل تبدأ بالإنتهاء من الثانوية وبعدها البكالوريوس وبعدها الحصول على بعثة وبعدها الماجستير وبعدها الدكتوراة وستختلف خطة العمل في كل مرحلة عن التي تليها ولكن تجزئتها يساهم وبفعالية في تحقيقها على المدى الطويل.
تابع تنفيذ الخطة
اختيار الاهداف القابلة للقياس والمرتبطة بزمن محدد يمكنك بعد انتهاء الفترة المحددة أن تقوم بتقييم ادائك في الالتزام بالخطة من خلال قياس مقدار ما انجزته من هدفك فلو كان هدفك هو قراءة كتابين في موضوع معين خلال شهر فيمكنك في نهاية الشهر أن تقيس إن كنت انهيت كتابين أو ثلاثة أو كتاب ونصف أو لم تتمكن من إنهاء حتى كتاب واحد وهذا الأمر سيساعدك في تعديل خطتك فقد تكون خطتك غير قابلة للتطبيق لأنك بالغت في تحديد اهداف الخطة وقد يكون من الأنسب منح نفسك فرصة شهرين أو ثلاثة بدلا من شهر واحد من اجل تحقيق الأهداف كما قد تكتشف من خلال المتابعة أنك تضيع وقتا كثيرا يمكنك اعادة استغلاله لإنهاء الكتابين في شهر واحد كما كنت ترغب. بشكل عام متابعة تنفيذ الخطة مسألة حيوية للإستمرار بإيجابية وواقعية في تطبيق الخطة التي ستوصلك إن شاء الله حيث تريد بعد سنوات من الالتزام بها.
مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة
بدأت مشاريع برج خليفة وتوسعة الحرمين والنفق تحت البحر بين فرنسا وبريطانيا وجامعة الملك عبدالله بدأت بعامل يحفر بمعول في الأرض وهو أمر بسيط جدا لكنه جزء من خطة منظمة وعمل مرتب يتراكم شيئا فشيئا لينهي المهمة المطلوبة وبالتدريج وضربة المعول تلك هي التي بنت المشاريع الضخمة بعد كل تلك السنوات فلا تحقرن من المعروف شيئا وخير الأعمال أدومها وإن قل.
اصبر وثابر ولا تستعجل النتائج
ما الذي ستقوله الآن وبعد أن شاهدت نتائج سنوات طويلة من العمل لذلك العامل الذي قرر وبعد اسبوع من الحفر أن يتوقف بعد أن نظر لناتج الحفر وقرر أنه لا فائدة منه فمن غير المعقول أن ينتج عن هذا الحفر برجا عاليا من أعلى أبراج العالم أو قال وهو ينظر لجبال مكة أنه لا فائدة من كسر هذه الحجارة فمن غير المعقول أن تتحول هذه الحجارة لجزء من الحرم يصلي فيه الناس، ماذا ستقول لذلك العامل وأنت تعرف اليوم ما نتج عنه ذلك الحفر؟ من المؤكد أنك ستقول له اصبر وثابر في عملك والتزم بخطتك ولا تستعجل لأنك سترى نتيجة عملك بعد سنوات من الآن
أليس من الأولى لك أنت أن تطبق نصيحتك على نفسك وتستمر في أداء ماهو مطلوب منك وتصبر على النتائج التي لن تظهر إلا بعد سنوات من العمل الدؤوب المتواصل فالمثل يقول أن من جد وجد ومن زرع حصد فتوكل على الله والتزم بما سيحقق لك النجاح بمشيئة الله وتوفيقه فعملك اليوم سيحدد مكانك بعد عشر سنوات فاختر من الآن أين تريد أن تكون واعمل من أجل تحقيق ذلك ولا تكن ممن تمر عليهم السنين والأيام وهم ما زالو كما هم في أماكنهم.
السلام عليكم
شكرا لك أخي العزيز أبودانية. استمتعت كثيرا بقراءة هذه التدوينة حيث أنها ذكرتني بأهمية التخطيط المرن والقابل للقياس بحيث يستطيع صاحب الخطة معرفة مقدار نجاحه.
تعلمت كثيرا من الفشل لأنجح
وتعلمت كثيرا من مقالتك لأحلامي
جميل جداً .. الصبر هو مفتاح النجاح فعلاً .. لك شكري وتقديري =)
للأسف هذه الطريقة المنطقية للأمور لا تتم في البلد
It is mostly who you know not what you know!
أنا لست ذا منظور سوداوي … و لكني انسان أستطيع قراءة الواقع …..
أخي سالم
اتفق معك بأن العلاقات ضرورية وتعد من العوامل التي تزيل الكثير من المعوقات في مجتمعنا ولكني اشاهد حولي نماذج من قصص النجاح التي استطاعت أن تنجح بدون أن يكون لها ذلك الكم الهائل من العلاقات لأن الفكرة الجيدة والتي تليها خطة جيدة تضع نقاط الضعف والفرص في الحسبان تفرض نفسها حتى لو لم يكن لصاحبها علاقات كثيرة.
من ناحية اخرى لا اجد تعارضا بين افكار التخطيط الاستراتيجي وبين الواقع فمهارات وقدرات التواصل هي أحد مقومات التخطيط الاستراتيجي المطلوبة في كل المجتمعات (عندنا وعند غيرنا) ولا أنكر أن الحاجة للعلاقات لدينا زائدة عن الحد ولكني لا اعتقد أنها معوق رئيسي أمام النجاح.
مثلا يمكن لصاحب الفكرة الجيدة أن يضع نقطة ضعفه في الاتصالات في الحسبان عند وضع الخطة ويحاول أن يتحالف أو يتشارك أو يطلب مساعدة شخص يملك قدرات أو اتصالات اكثر بهدف ايصال ما يحتاجه للمسؤول عما يريد وهذه مسألة اعتقد أنها متاحة لكنها تحتاج لبذل جهد وصبر والأهم من ذلك عزيمة واصرار على اكمال المشوار مهما كانت الظروف.
شكرا لمرورك
أتمنى أن تتحول حالات النجاح تلك من فرديتها الى كما يجب أن تكون من ثقافة مجتمعية لا تصطدم بسقف و ان كان و لا بد فليكن سقفا عاليا فانه من الجميل أن نرى ثمرة التخطيط حقيقة ملموسة في واقعنا …. تحية
ماجد سرني مرورك
اعتقد أن وضع اهداف قابلة للقياس خطوة أساسية لمن يرغب أن يواجه حقيقة نفسه وقدراته فالبعض منا يعتقد أنه قادر على انجاز الكثير من الأعمال في نفس الوقت ويخطط على هذا الأساس ولكن عندما يأتي ليقيم مقدار ما انجزه من أهداف يصطدم بالواقع ويعرف أن قدراته وطاقاته محدودة وأن الأعمال لا تتم بمجرد التفكير بها وانما تتطلب تخصيص أوقات ومجهود لابد وأن يؤخذ في الحسبان
أمير
سلمان
شكرا لتعليقكما
جزاك الله عنا خير الجزاء يادكتور نزيه
التذكير بين فترة وأخرى مهم حتى لا نحيد عن الخطة
كلماتك دائما محفزة ومشجعة للتقدم والتطور، سلمت يداك 🙂
جزاك الله خيراً
معلومات مهمة
كعادتكم د نزيه …مقال رائع وارسل في وقته …
ايضا الايمان الجازم بتحقيق أهدافك وقدراتك وعدم الالتفات الى المحبطين والسلبيين مهم جدا خصوصا في هذه الايام … مع التاكيد على التوكل القلبي على الله …
نفع الله بكم
ساعدني وشرفني مرورك دكتور
شكرا لتعليقك