كشفت الامطار الغزيرة التي هطلت على مختلف مناطق المملكة الضعف الشديد في البنى التحتية في المدن الرئيسية في المملكة ففي جدة مثلا زاد عدد ضحايا السيول والمياه الجارية في المدينة عن المئة ضحية وغرقت معظم شوارع جدة الرئيسية ولم تتمكن شبكات التصريف الموجودة (أو غير الموجودة) من تصريف المياه وتكرر نفس المشهد في كل من تبوك والدمام وتكرر ايضا الاسبوع الماضي في العاصمة الرياض. وقد اصبت بدهشة عندما شاهدت صور وافلام غرق الشوارع الرئيسية والانفاق وازدادت دهشتي بعد سماع تصريح أمين العاصمة الذي نشر في معظم صحف المملكة وافاد فيه بأن 70% من مناطق مدينة الرياض لا تملك نظاما لتصريف المياه !!
لا ينبغي أن يمر تصريح مثل هذا مرور الكرام فالكثير من الناس يشتكون من عدم وجود توازن في توزيع الموارد والمشاريع والفرص على مختلف مناطق المملكة فمعظم الموارد ترتكز في مدينة الرياض وضواحيها وهي المسألة التي ركز خادم الحرمين على مواجهتها ووعد حفظه الله بأن تكون هناك عدالة في توزيع المشاريع والموارد على مناطق المملكة وبالفعل خرجت الكثير من المشاريع في مختلف انحاء ومناطق المملكة لتحقيق هذا التوازن. لكن السؤال هنا هو إن كان هناك في الماضي تركيزا قويا بهذا الشكل على الرياض فلم لم ينتج عنه بنى تحتي يتلائم مع هذا التركيز؟ والأهم من هذا هو التساؤل عن حال البنى التحتي في مدن المملكة الاخرى التي لا تجد ذلك التركيز والدعم القوي لمشاريع البنى التحتية؟ وماذا سيحصل لمدن بلادي في الاعوام القادمة في ظل التقلبات الجوية التي تشير لازديداد في معدلات هطول الامطار وتغيرات في درجات الحرارة في السنوات القادمة؟
زرت الرياض لعدة أيام خلال الاسابيع الماضية وشدني في الرياض جمال المدينة وجمال تصميم الشوارع والمباني المميزة والخدمات الرائعة المتوفرة فيها وغمرتني السعادة وأنا اتجول في شوارعها الفسيحة لأني شعرت بأني في أحد مدن العالم الرئيسية والمتطورة لحد كبير، لكن يبدو لي أن مجتمعنا ما زال يعاني من الحكم على الأمور من خلال الظاهر والشكل، لأن الشكل الخارجي للمدينة رائع لكن ما فائدة هذا الشكل إن كان المضمون فارغا لا يحوي مجاري ولا نظام لتصريف المياه؟ ما فائدة صرف المليارات من الريالات على التصميمات الخارجية الرائعة إن لم تصمد هذه التصميمات أمام البيئة وظروفها المتغيره؟ لماذا لا نركز في صرف المليارات على المضمون مما هو ما في داخل الجدان من تسليك وتمديد كهرباء ومواسير وسائل تحقيق السلامة وغيره ونخفف من اهتمامنا بظاهر الأمور وشكلها؟ أليس من الافضل لنا أن نخفف من الاهتمام بالظاهر ونرفع من مقدار صرفنا ووقتنا في ما هو تحت الارض ووراء الجدران؟ أليس من الافضل لنا أن نخصص اكبر قدر في ميزانية المشاريع بل وحتى عند اعتماد وقبول المشاريع على ما هو مخفي بدلا من الاكتفاء بالثناء على ما هو ظاهر؟
جرني تفكيري في هذه النقطة لملاحظة أن الحكم على الظاهر مسألة لا تقتصر على المشاريع فقط بل يمتد لامور اخرى عديدة، فقد تعود بعضنا على الحكم على المضمون من خلال الشكل والظاهر، فالبعض منا مثلا يحكم على خلق من أمامه من خلال طول لحيته أو قصرها ففريق يفترض سوء الاخلاق وضعف الدين في قصير اللحية أو عديمها وفريق آخر يفترض التطرف والانغلاق في طويل اللحية وكلا الطرفين يحكم على المضمون من خلال الشكل، والعجيب أن كلا الفريقين يشاهد نماذج كثيرة في حياته تخالف ما يظنه لحد كبير، لكن بالرغم من ذلك يستمر في الحكم على خلق الناس من خلال الشكل الظاهر. هناك امثلة كثيرة نمارسها بشكل يومي في هذا المجال ومنها تكوين انطباع معين عن ما هو امامنا بعد التعرف على بعض المظاهر مثل نوع الجوال المحمول، مكان تفصيل الثياب ونوعها، طريقة لبس العباءة، ماركة الملابس، السيارة التي يملكها الشخص، لقب الدكتور أو لقب المهندس أو لقب الشيخ أو حتى الحكم على المشاريع والبرامج والافكار من خلال الدعاية الرنانة والشعارات البراقة التي لا تجد حيزا في التطبيق واحيانا حتى يقوم البعض بالتمادي في هذا الأمر لحد العنصرية فيتم الحكم على مضمون الشخص من خلال معرفة المنطقة التي ينتمي اليها أو القبيلة التي ينتسب لها أو الجنسية التي يحملها أو غير ذلك من القضايا التي لا يمكنني أن أشير اليها سوى أنها مظاهر لا شأن لها ولا علاقة لها بالمضمون. كل هذه امثلة في نظري لنفس الظاهرة التي تسببت في عدم التركيز على البنى التحتي للمدن واكتفت بالنظر لما هو أمامها بدون التمعن في المضمون وكانت النتيجة غرق المدن الرئيسية واضرار مالية وعينية ومعنوية لا تقدر بثمن.
اتمنى أن نستفيد من دروس الامطار هذه ونبدأ في تعويد انفسنا على التركيز على الجوهر والمضمون في كافة جوانب حياتنا وعملنا فمنا من يكرر الاقوال النظرية التي تقول بأن المظاهر خداعة وأنه لا ينبغي الحكم على الكتاب من عنوانه ولكن كل هذه الأقوال تختفي عند التطبيق واعتقد أنه بإمكان كل واحد منا مراجعة نفسه وتذكر الكثير من المواقف التي اخطأ في الحكم عليها لأنه ركز فقط على الشكل الخارجي ونسي النظر للمضمون الداخلي، فلمنعن سويا النظر في المضمون ولنحكم عليه بدلا من الاستمرار في خطأ الحكم على الشكل الخارجي والشعار الخارجي.
السلام عليكم،
اعجبني ربطك بين الأضرار التي حدثت بسبب الأمطار و بين مشكلتنا العامة والمتأصلة في التركيز على القشورة وترك اللب. فعلا هي الأسباب ذاتها.
It is something really unfortunate
I dont understand what went wrong
we have qualified people
we have money
why aren’t things happening
ماجد
اعتقد أن المشاكل والسلبيات هي واحدة وتختلف طريقة ظهورها وتطبيقاتها في المجتمع، ولذا من المهم في نظري العودة لأصل المبدأ الذي تنتج عنه المشكلة والتعامل مع ذلك الاصل وهذه الطريقة تساهم في التعامل مع عدة مشكلات قد تبدو (في الظاهر) أنها مختلفة ولكنك ستجد أنهانفس المشكلة عندما تتعمق في المضمون.
الأسلوب الفعال للتعامل مع المشكلة يتمثل في أن يتعامل الشخص مع دوره في المشكلة، فمن غير المعقول أن نشتكي من اعتماد المشاريع لأن مظهرها جميل ويشرف أمام المسؤولين الزوار وفي نفس الوقت نمارس نفس العملية على المستوى الشخصي من خلال الحكم الايجابي على الاشخاص والبشر. من أراد أن يغير شيئا فعليه أن يبدأ بنفسه ويتوقف عن اعتماد تصورة معين عن اخلاق الناس من اشكالهم ومظاهرهم وخلفياتهم ودياناتهم بعدها يمكننا أن نصل لمستوى يمكنا من النظر لمضمون المشاريع وما هو تحت الأرض ووراء الجدران.
Osama
You are asking a very important questions, why aren’t things happing?
Answering this question needs collective effort from people coming from different backgrounds. This means that we need an environment of freedom that allows different people to give their input and their answers to this question. This brain storming process is the key for innovations and productivity.
Unfortunately, many of our so called “intellectuals” are the enemies of such freedoms because those freedoms will jepodize their “intellectual” or “social” status.
وبإختصار.
لدينا المال.
لدينا العمال.
لدينا التقنية والمعلومات.والآلات والمواد وأرخص المصادر وأوفرها وأقربها.
ماذا ينقصنا ؟
اخ فيصل
اتفق معك أننا نملك بعض المقومات اللازمة للنجاح لكن اعتقد أن هناك حاجة ماسة للشفافية المالية في المشاريع ومحاسبة المسؤول والمقصر وهذه امور تحتاج لحرية رأي وحرية تعبير ونظام مؤسساتي يوضح الحقوق والواجبات من اجل الوصول اليها
بمعنى آخر يقول المثل أن من أمن العقوبة أساء الأدب
هناك ايضا حاجة في نظري لمعايير للعمل الهندسي في المملكة خاصة في المشاريع الحكومية، كما أن مشروع اعتماد المهندسين الذي قدمته الهيئة السعودية للمهندسين منذ عدة سنوات صار ضرورة ملحة فمن غير المعقول أن يسمي كل من هب ودب نفسه مهندسا بل ويمارس مهنة الهندسة من خلال المشاريع الحكومية بدون مؤهلات ولا شهادات. هناك ايضا حاجة لتقييم قدرات المكاتب الهندسية ومكاتب المقاولات وتصنيفها بحسب امكاناتها وخبراتها وهذا التصنيف يوفر امكانية ادراج معايير الجودة الهندسية في المشاريع الهندسية التي تعتمدها الادارات الحكومية بدلا من الوضع الحالي الذي يعتمد على تعميد اقل سعر في منافسة المناقصات بدون أن يكون لجودة وقدرة ومؤهلات الشركات أي دخل في ترسية المناقصات.
أحسنت بهذا الطرح نزيه
لكني أرى أن تضع حدودا “للتركيز على الجوهر والمضمون”. كما وضعت حدا “للحكم على الظاهر”.
في بعض المسائل يكون التوقف عند الحكم بالظاهر ضرورة لدفع مفسدة سوء الظن. وضابطه: “أفلا شققت عن صدره”
وفي بعضها يكون عدم التعمق في التركيز على الجوهر والمضمون ضرورة لعدم التدخل في الخصوصيات. وضابطه: “إن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين”.
إذن فالقضية تتفاوت على حسب المسائل، وعلى حسب تجارب وخبرات الناس. كما يقول مالك بن نبي عالم الإجتماع الجزائري رحمه الله: أن الإنسان يعيش في 3 عوالم، عالم الأفكار وعالم الأشخاص وعالم الأشياء. الأفكار هو كل ما تختزنه داخل عقلك من تجارب وخبرات وعلوم، والأشخاص هو شبكة العلاقات التي تكونها مع الناس، والأشياء هو كيفية اخراج ما في الأفكار لاستخدام الوسائل المادية المتوفرة لديه. فالألمان واليابان استطاعوا بعد الحرب العالمية لم شتاتهم والتركيز على بناء حضارتهم مرة أخرى بناء على عالم الأفكار والأشياء. والجزار له علاقات شخصية تختلف عن علاقات السفير بحكم عملهم وذلك بناء على عالم الأفكار والأشخاص. إذن عالم الأفكار هو الذي يتحكم ببقية العوالم.
هذه المسألة أساسية في تحضر وتخلف الأمم عن بعضها البعض، لذلك ما يهمنا نحن هنا أن الحكم بالظاهر على المسائل أو التركيز على الجوهر والمضمون تتفاوت من شخص لآخر ومن مسألة لأخرى حسب الظروف والمواقف.
شكرا لتعليقك المهم يا منصور واتفق معك حول وجود حدود حيال التركيز على الجوهر والمضمون ولكن اتصور أن وجود مثل هذه الحدود في بعض الأمور يؤدي لعدم امكانية الحكم اصلا عليها. وهذا يجرنا لأهمية أن نعي بشكل عام بأنه ليس من الضروري لنا أن نحكم على كل شيئ حولنا لأننا ببساطة لا نستطيع الحكم على ما في القلوب
وهنا المحك
اذا تعلق الأمر بالقلوب والنيات فلنتوقف عن الحكم على الجوهر ما دمنا لا نعرفه
مخافة الله , والمراقبة الذاتية
هي جوهر المضمون
احترامي سيدي
جزاك الله الخير على هذا الطرح الرائع والنقاش واسال الله ان ينفع به لأننا والله في حاجة ماسة الى الوقوف على هكذا مشاكل. فهي معانات الحميع في هذا المجتمع ولابد لها من وقفه لأننا ولله الحمد من البلاد الغنية بمواردها فماذاينقصنا غير التدبير والرقابة ووضع الشيء المناسب في المكان المناسب.
هذا والله جل ما ينقصنا.
اخي الهاشمي
الرقابة تتطلب شفافية للاجراءات والغاء للسرية كما تتطلبواستقلالية للاعلام عن مصادر صنع القرار لأن هذه الاستقلالية تشعر المسؤول بأنه مراقب وأنه بالامكان في أي لحظة أن يتم تسليط الضوء على ادائه وعلى مسؤولياته وهي امور اعتقد أن الطريق ما زال طويلا للوصول اليه لكن على الأقل بدأنا في ذلك الطريق من خلال الشعور بأهميته ومن خلال الحملة القوية على محاسبة المسؤولين عما حصل في جدة وهي الحملة التي اتمنى أن تلحقها حملة اخرى لمحاسبة المسؤولين عما حصل في الرياض وتبوك بل وحتى بيشة التي جرفت السيول فيها عشرات البيوت ولم يتم تسليط الضوء عليها اعلاميا الا في قناة او اثنتين وبشكل مقتضب
My favourite Dr Nazih 🙂