
سلاسل التوريد:
إدارة سلاسل التوريد هو أحد التخصصات التي بدأت تنتشر خاصة مع زيادة أثر المركزية واندماج المؤسسات التي تقوم بخدمة عدد كبير من العملاء في مناطق مختلفة من مكان مركزي واحد. ويمكن تعريف سلسلة التوريد بأنها مجموعة العمليات أو المحطات التي يمر بها المنتج بداية من خروجه من مصدره وحتى وصوله للمستخدم النهائي ويدخل مفهومها بالكثير من المجالات. فمثلا شاهد كثير منا مثال شركة تيسكو الكورية التي استطاعت الوصول للزبون بمنزله من خلال نظام فعال لسلسة التوريد
فسلسلة التوريد هنا هي العمليات التي يمر بها المنتج بداية من اختيار المستهلك له إلى وصوله لمنزله وأظن أن أهمية كفاءة وفعالية هذه السلسلة مسألة واضحة فالخطأ فيها يكلف الشركة كثيرا ولهذا تولي الشركات أهمية كبيرة للتعامل الفعال معه.

سأركز في هذه التدوينة على ابراز مفهوم سلسلة التوريد في أحد المجلات الحيوية وهو الدواء لأنه يمس كل إنسان ويمكن تعميم المفهوم لينطبق على أي شيئ آخر مثل المنتجات الغذائية، المنتجات التقنية، الاستهلاكية، أي شئ
نموذج لسلسلة توريد صحية:
هذا مثال للعمليات التي تمر بها سلسلة توريد الدواء لمريض معين داخل مستشفى:
-
يمر الطبيب على مرضاه الموجودين في عنبر معين للكشف الدوري عليهم
-
يكتب الطبيب الوصفة الطبية لكل مريض في ورقة متابعة الكشف الطبي الخاصة به
-
تستلم محطة التمريض وصفات المرضى كلها وتكتب أوراق طلب للأدوية بإسم كل مريض من الصيدلية
-
يأخذ عامل طلبات محطة التمريض كلها للصيدلية
-
تستلم الصيدلية الطلبات وتخصص صيدليا معينا لإعداد الأدوية المطلوبة
-
ترسل الصيدلية الأدوية بعد إعدادها لمحطة التمريض مع عامل
-
تستلم محطة التمريض الأدوية وتحدد مواعيد اعطاء الدواء لكل مريض
-
في الوقت المحدد للدواء، تقوم الممرضة بأخذ الدواء للمريض ليتناوله
تخيل نفسك المسؤول في الصيدلية (خطوة 5) وأنت بمستشفى كبير به عدد كبير من محطات التمريض وعدد كبير من المرضى وكلهم أرسلوا طلباتهم بنفس الوقت وكلهم يريد أن تحضر الأدوية بسرعة وبدون أي خطأ. أو تخيل نفسك مسؤولا في محطة تمريض بعنبر به عدد كبير من المرضى يحتاجون للأدوية وكلهم بوقت مختلف وبعض الأدوية شراب وبعضها حقن وبعضها حبوب،
فكر الآن، كم عدد الأخطاء الممكن حصولها في كل خطوة من خطوات سلسلة التوريد أعلاه:
-
ماذا لو كان للمريض حساسية من أحد الأدوية التي وصفها الطبيب؟ كيف يعرف الطبيب؟
-
كيف يمكن لمحطة التمريض التي يتغير العاملون بها كل 8 ساعات التأكد من متابعة اعطاء الأدوية للمرضى بالوقت الصحيح وبدون خطأ في اعطاء دواء معين لمريض مختلف؟
-
كم ممرضة في قائمة طلبات الأدوية التي وصلت للأدوية لها نفس الإسم بالمستشفى؟
-
ما احتمال أن ترسل طلبات ممرضة معينة لممرضة أخرى تحمل نفس الإسم؟
-
ما احتمال أن يكون هناك مريضان اسمهم سعيد خالد بنفس العنبر وتخطئ الممرضة بين أدويتهم؟
-
ما احتمال أن يخطئ العامل في إيصال الأدوية لمحطة التمريض؟
هناك أخطاء كثيرة ممكن حصولها في سلسلة التوريد أعلاه سواء من الطبيب أو محطة التمريض أو العامل أو الصيدلية وتهتم المؤسسات الطبية بدراسة هذه السلسلة والتخفيف من الخطوات التي تمر بها وتبني أنظمة تقلل من الخطأ فيها.
المشكلة على المستوى الإقليمي:
الآن فكر بنفس المثال على مستوى أكبر، هناك مستودع ضخم يورد الأدوية للمستشفيات المختلفة على مستوى المنطقة الغربية، حيث يستلم المستودع الطلبات من عدد كبير من المستشفيات والمستوصفات والعيادات وعليه أن يوصل هذه الطلبات لكل جهة بشكل سريع وبدون حدوث أي خطأ
لنصعد للأعلى أيضا في سلسلة التوريد لنصل لدولة خارج المملكة تستسلم طلبات الأدوية من كل مقاطعات مختلفة في كل دول الشرق الأوسط وكل طلب في النهاية موجه لمريض معين على سرير معين يكشف عليه طبيب وتعينه ممرضة تتبع محطة تمريض تطلب من صيدلية بمستشفى بشارع معين بمنطقة معينة بدولة معينة.
الآن تخيل نسبة الخطأ الممكنة عندما تنظر للموضوع من منظار المصنع الموجود في أوروبا مثلا؟
كم مستشفى على مستوى العالم يحمل إسم مستشفى الجامعة مثلا؟ كم مستشفى موجود بإسم مستشفى الملك فهد في السعودية؟ ما احتمال أن تصل أدوية مستشفى الملك فهد بجدة لمستشفى الملك فهد بالدمام؟ أو المدينة؟
تخيل أنك بالمصنع وجاءك طلب بإسم مستشفى التخصصي بدون تفاصيل أخرى، كم عدد المستشفيات التي ممكن أن تحمل هذا الإسم؟ هل هو مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الإبحاث؟ أيهم جدة أو الرياض؟ أو مستشفى الملك خالد التخصصي للعيون؟ أم مركز سعد التخصصي؟ أم عيادة تخصصية أخرى؟ كم مرة سيتكرر إسم التخصصي في اسم الجهات التي تطلب منك الأدوية؟
أذكر عرضا حضرته لشركة فايزر للأدوية تتحدث عن هذه المشكلة حيث تحدثوا عن مستشفى معين لا يحضرني اسمه يمكن كتابة اسمه بأكثر من عشرة طرق وينتج عن هذا أن تصل لمصانع فايزر طلبات بأسماء مختلفة لنفس المستشفى، كيف يمكن لمستودع الرئيسي أن يعرف بأنها لنفس الجهة وليست لجهات مختلفة؟ لو تعامل معها كجهات مختلفة ستجد أنه سيرسل عدة شحنات لنفس الجهة في الوقت الذي كان بإمكانه دمج كل الطلبات في طلب واحد وإرساله مرة واحدة ويوفر الوقت والجهد.
حلول ذكية:
هندسة سلاسل التوريد تخصص يدرس له أبجديات وأساسيات وتفصيلات يصعب اختصارها أو حصرها في تدوينة لكن ما شدني لكتابة موضوع عن هذا الأمر هو مؤتمر نظمته مؤسسة المواصفات العالمية GS1 Global Standard وهي مؤسسة غير ربحية تقدم نظام الباركود للمنتجات والعمليات بهدف إدارة سلسلة التوريد بكفاءة أكبر وبآلية تسمح بمتابعتها خطوة بخطوة ويوضح الشكل أدناه نماذج للباركودز الممكن استخدامها على المنتجات والعمليات 
حضرت قبل عدة أيام مؤتمرا عن الاستخدامات التطبيقية للباركود في تتبع ومتابعة سلاسل توريد الأدوية والأجهزة الطبية وهو مؤتمر حضره عدد كبير من الشركات الكبرى التي تورد منتجاتها لكل أنحاء العالم ويعد تتبع منتجاتها مشكلة رئيسية بالنسبة لهم
باختصار تتقدم الشركات لمؤسسة GS1 لكي تعطيهم رقم باركود خاص بمنتجاتها لا يتكرر بأي مكان بالعالم ثم تقوم الشركات باستخدام هذا الباركود لتتبع منتجاتها خلال سلسلة التوريد
نظام صحي متكامل مبني على الباركود:
بدأت العديد من المؤسسات الصحية باستخدام الباركود داخل مبانيها بحيث يتم وضع باركود وحيد على كل غرفة وممرض ومريض وطبيب وغرفة عمليات وعناية مركزة وأشعة ومختبر إضافة لباركود على كل جهاز طبي أو أثاث طبي وكل وجبة وكل وصفة طبية وهكذا.
يمنح كل مستشفى باركود وحيد خاص به على مستوى العالم يمكن لكي جهة تورد أي بضاعة لهذا المستشفى استخدامه للتعرف عليه عن توريد المنتجات بحيث يتم ربط الباركود الخاصة بسيارات توريد البضاعة بالباركود الخاص بالمستشفى وعند التوريد يقوم سائق السيارة بمسح الباركود الخاص بالمستشفى عند وصوله للتأكد من أن البضاعة التي لديه وصلت للمستشفى الصحيح.
يمكن استخدام نفس الأسلوب للتعامل مع المرضى، فيتم منح كل مريض باركود يقوم بلبسه على يديه يتم ربطه على يد المريض ويستخدم للتعريف به بكل العلميات المرتبطة به
عندما يدخل الطبيب في الصباح لغرفة المريض من أجل الفحص يقوم بمسح الباركود الخاص بالمريض ليفتح الملف الطبي الالكتروني الخاص به ويقوم الطبيب بكتابة الوصفات الطبية، التحاليل، متطلبات الغذاء، نوع العملية التي يطلبها الطبيب وغيرها في الملف الإلكتروني وفيما يلي وصف بآلية استخدام الباركود بمختلف العلميات التي تجرى:
عودة لسلسة توريد الوصفة الطبية المذكورة بالأعلى:
-
يحمل الطبيب ببطاقته جهازا يعتمد على تقنية RFID ترسل رقم الباركود الخاص به ويوجد عند كل مدخل غرفة مريض قارئ تلقائي ل RFID يتعرف على الطبيب فور دخوله للغرفة
-
هناك قارئ RFID داخل كل غرفة بجوار المغسلة يقوم بإطلاق إنذار صوتي للطبيب في حال عدم غسله لليدين يذكره بضرورة غسل يديه قبل مباشرة المريض.
-
يملك الطبيب جهاز IPAD مرتبط بماسح ضوئي يستخدمه لقراءة الباركود على يد المريض ليفتح الملف الطبي للمريض،
-
يقوم الطبيب بكتابة متطلبات التغذية والوصفات الطبية والتحاليل أو العمليات الجراحية المطلوبة في الملف الإلكتروني
-
يصل طلب الوصفة الطبية للصيدلية ويحضر الصيدلي الدواء المطلوب ويضعها في علبة ذكية عليها بار كود منفرد يتم ربطه بالمريض المعين ومركز التمريض الذي يشرف على المريض.
-
تصل الممرضة للمريض ومعها علبة الدواء الذكية فتقوم بمسح الباركود للمريض وبعدها الباركود الخاص بعلبة الدواء الذكية وفي حال تطابقهما تفتح العلبة ويمكن للمرضة أن تستخدم الدواء.
-
بالنسبة للعلميات فعند طلب الطبيب لعملية معينة يقوم النظام الذكي بإيضاح كل المتطلبات اللازمة لهذه العملية من موارد بشرية وأدوات جراحية وغرفة عمليات وتحاليل وكلها مرتبطة بالباركود الخاص بالمريض وفي يوم العملية تقوم غرفة العمليات الذكية بالتأكد من توفر كافة متطلبات العملية وبأن المريض دخل في الغرفة الصحيحة وأن الأدوات المتوفرة هي فعلا المرتبطة بالعملية المطلوبة للمريض وهكذا
جميل جدا دكتور و فكره رائعه للتطبيق لتقليل بعض الاخطاء الطبيه
شكرا لك
شرح اكثر من رائع للموضوع. سهل وممتع واثراء للمعرفة.
الموضوع مهم جدا لتقليل الاخطاء الطبية.
اتمنى نشوف تطبيقه على المدى القريب فالمملكة.
س/ هل يعتبر هذا الموضوع احد تطبيقات المعلوماتية الصحية (health informatics) ؟
جزاك الله خيرا على جهودك في اثراء المعرفة.
شكرا لمرورك أخي نواف
يوجد توجه لدى القطاعات الصحية بالمملكة لتطبيق هذا النظام وتوجد بعض المستشفيات التي تطبق جزءا منه واتوقع التوسع في هذه التطبيقات في الأيام القادمة لأنها تساهم في رفع كفاءة الانفاق وتقلل من الاخطاء الطبية
بالنسبة للمعلوماتية الصحية فهي تساهم في وضع معايير استخدام هذه التقنيات بشكل متكامل
السلام عليكم اخي واستاذي نزيه عثماني
الان انا مقبل لدراسة تخصص بكالريوس medical electronic engineering في ماليزيا وعلمت ان الوظائف اصبحت شحيحة ومتخوف وافكر في تحويل تخصص احيانا ولكن اتعوذ من الشيطان ف هل هناك اي تعليق منك ؟
٢- هل تنصحني بإكمال التخصص في امريكا او ألمانيا في الماجستير مستقبلا ؟ علما انه متاح لي الاثنين ، بعض الاحيان افكر في ألمانيا لإكتساب لغة ألمانية كلغة ثالثة وربما هذا يفيدني والبعض يقول لي لا تغني من جوع ، وتارة اخرى افكر في امريكا لإتقاني اللغة الانقليزية ولن اواجه مصاعب ، فما رأيك اخي وشكرا لك واسأل الله ان ينفع بعلمك ويرفع درجتك الى اعلى الدرجات ويجازيك خيرا بما تقدمه للنفع بالأمة الاسلامية العربية
اخوك بسام من اليمن
بالنسبة للتخصص وفرص العمل فيه فهي متوفرة وكثيرة لأن القطاع الصحي ينمو ويزداد عليه الطلب في كل العالم وسوق الأجهزة الطبية رائج ويتوسع باستمرار.
العبرة في امكانيات المتخرج وهمته وطموحه وخبراته التي جمعها أثناء الدراسة، فالمهم أن تبدع بدراستك وتمارس انشطة خارجية تنمي مهاراتك الشخصية ومهاراتك المرتبطة بالأجهزة من خلال العمل بمستشفيات أو شركات بفصل الصيف، ادخل في أكبر قدر ممكن من الدورات في تنمية مهارات الإلقاء والعرض وتنظيم الوقت والقيادة وإدارة المشاريع والجودة وبرمجة اللغات بالحاسب والشبكات واعطاب الأجهزة الإلكترونية والتفكير الابداعي، وقت الدراسة فرصتك للتعلم وبعد التخرج ستنشغل ويصعب عليك الأمر
أما عن الفرق بين أمريكا وألمانيا فهناك عدة جوانب للموضوع، أولها طبيعة البرنامجين، فهناك برامج بألمانيا أقوى من أمريكا والعكس، فانظر لطبيعة الدراسة، المواد التي تدرسها، فرص التدريب التي تتوفر بالجامعة، قدرات أعضاء هيئة التدريس، المشاريع التي سنفذها أثناء الدراسة، سهولة العمل بعد التخرج والتدريب بالنسبة للأجانب بالبلدين، بعد أن تعقد المقارنة بين البلدين يمكنك اتخاذ القرار للاختيار بينهما
السلام عليكم
اخي نزيه اريد نصيحتك بما انك تتطرقت لهذا الموضوع .
انا ادرس ماجستير Supply chain management في بريطانيا و سوف يكون عنوان بحثي في
Supply chain management strategies in pharmaceutical supply chains: Key issues and challenges
مارأيك في هذا الموضوع . وافكر ان اكمل PHD ع هذا البحث .
وشكراً لك
الموضوع جوهري وحساس جدا لأنه مهم لكل من يعمل بالقطاع الصحي على المستويين العام والخاص ولكن الموضوع عام وتحتاج لأن تركز على تفصيل أكبر فيه خاصة بالمجال التطبيق وعالجة المعلومات الكبيرة،
تملك الكثير من الجهاز نظام تتبع لسلسة التوريد لكنه نظام لمجرد معرفة مكان المنتج وكمياته وقلما تستفيد الجهات من المعلومات الضخمة التي تتراكم على مدى السنين لمعرفة انماط الاستهلاك وربطها بالتخطيط للاحتياج وربطها بالمواسم أو بانتشار الأمراض ودراسات التكلفة والاستهلاك من أجل الخروج بمعلومات وخطط تراقب الاستهلاك بشكل أفضل
بمعنى حاول أن تخصص موضوعك لشيء تحت سلاسل التوريد
اتمنى أكون اجبت على تساؤلاتك وبالتوفيق